اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 485
من غلظ غشاوتهم وشدد ضممهم وقساوتهم إِنْ تَدْعُهُمْ يا أكمل الرسل إِلَى الْهُدى وترشدهم الى الفوز بالفلاح والنجاح فَلَنْ يَهْتَدُوا ولن يفوزوا إِذاً أَبَداً في حال من الأحوال وحين من الأحيان لقساوة قلوبهم وصمم صماخهم بختمنا وطبعنا إذ لا يبدل قولنا ولا يعارض فعلنا الا باذن منا وتوفيق من لدنا
وَان كان تكذيبهم الرسل والكتب وإصرارهم على الشرك والجحود يستدعى نزول العذاب عليهم فجاءة لاستحقاقهم بحلوله الا انه يمهلهم رَبُّكَ الْغَفُورُ المبالغ في ستر ذنوب عباده وعفو عيوبهم يا أكمل الرسل إذ هو سبحانه ذُو الرَّحْمَةِ الواسعة والحكمة الكاملة لعلهم يتنبهون بقبح صنيعهم ويتأملون في وخامة عواقبهم فينصرفون عماهم عليه نادمين إذ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ سبحانه بِما كَسَبُوا وبشؤم عموم ما اقترفوا من الجرائم والآثام لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ على الفور حسب عدله وقهره لكن قد امهلهم بمقتضى رحمته وحكمته زمانا لا دواما رجاء ان يتوبوا ويرجعوا نحوه تائبين آئبين بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ ولهلاكهم وقت لا يسع فيه التلافي ولا ينفع التوبة والندم قط الا وهو يوم الحشر والجزاء وقيل يوم بدر بحيث لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ اى من دون ذلك الموعد مَوْئِلًا منجى ومخلصا بل يعذبون ويهلكون فيه حتما جزما بحيث لا يسع لهم التقدم والتأخر أصلا
وَبالجملة تِلْكَ الْقُرى التي في مرآك اطلالها وآثار منازلهم ومزارعهم قد أَهْلَكْناهُمْ واستأصلنا أهلها لَمَّا ظَلَمُوا وحين خرجوا واستنكفوا عن مقتضيات أوامرنا ونواهينا المنزلة في كتبنا لرسلنا وكذبوهم وأنكروا عليهم فأخذناهم واستأصلناهم كذلك وَمن سنتنا القديمة وعادتنا المستمرة انا متى أردنا إهلاك اهل قرية من المستوجبين للمقت والهلاك قد جَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ ولهلاكهم وإهلاكهم مَوْعِداً وقتا معينا وحينا محفوظا متى وصلوا اليه وحصلوا دونه هلكوا فيه حتما مقضيا إذ لا مرد لقضائنا المبرم ولا معقب لحكمنا المحكم
وَاذكر يا أكمل الرسل قصة أخيك موسى الكليم عليه السّلام وقصة إعجابه لنفسه حين خطب على المنبر بعد هلاك القبط ودخوله ملك مصر خطبة عجيبة بليغة الى حيث قد رقت القلوب وذرفت العيون فقيل له حينئذ من في الأرض اعلم منك يا نبي الله قال لا فعتب عليه سبحانه لإعجابه فقال سبحانه ان لنا عبدا في مجمع البحرين هو اعلم منك فقال موسى عليه السّلام دلني عليه يا ربي لأخدمه وأتعلم منه واستفيد من فتوحات أنفاسه الشريفة فقال له سبحانه خذ حوتا مملوحا ليكون لك زادا واطلبه فحيث فقدت الحوت وجدته ثمة فأخذ ومضى على الوجه المأمور اذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ وهو يوشع بن نون وكان خادمه لا أَبْرَحُ ولا استريح واقعد من السفر حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ اى ملتقى بحرى فارس والروم وأجد عنده عبدا قد دلني الله عليه أَوْ أَمْضِيَ وأسير حُقُباً زمانا طويلا ومدة مديدة ان لم أجده هناك حتى أجده واستفيد منه فرمى الحوت المشوى المملوح في مكتل وحمله يوشع فذهبا واوصى موسى لفتاه متى فقدت الحوت أخبرني
فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما اى بين البحرين نَسِيا عند المجمع حُوتَهُما يعنى قد نسى موسى التفقد والاستخبار من يوشع عنه ونسى يوشع ايضا ان يذكر لموسى ما رأى من امر الحوت وحياته ووقوعه في الماء وذلك انه قد عزم يوشع على التوضئ عند المجمع وكان على شاطئ البحر صخرة فتمكن يوشع عليها للتوضؤ فانتضح الماء على مكتله فترشح على الحوت فوثب من المكتل فرمى نفسه في البحر فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً اى صار الماء كالطاق يسرى الحوت تحته
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 485